“يانال” متواريًا خلف”ماسك كورونا”.
يقدِّم لنا فيلمًا لبنانيًّا مكتمل العناصر.
=============
كتب: مالك حلاوي.
=============
بعيدًا عن الخط العام لنص الفيلم، والذي يحمل اسم بطله “يانال”- جاد أبو علي، والذي قد نشهد له في كلاسيكيات الرواية والدراما عالميًّا العديد من الأمثلة والمقتبسات أو لنقل الحكايات، وفي الطليعة حكاية Beauty & the Beast (الجميلة والوحش)، والتي جرى تناقلها بألف شكلٍ وشكل على مرّ الزمن، هذا “الاقتباس” الذي احتل الربع الأول من مدة العمل، أشعرنا ومنذ البداية أننا أمام توظيفٍ استثنائي للفكرة، وذلك بإسقاط أصغر تفاصيل الحكاية على الواقع المحلي(اللبناني) في فترة من أسوأ ما مرّ به الإنسان اللبناني، والإنسان المقيم في لبنان عمومًا، وهي فترة كورونا وما بعدها.
وللمرة الأولى يجري توظيف “ماسك- كورونا” في أساسيات النص ليصبح هو ملاذ هذا “البطل” الذي يتخفَّى خلفه لتجاوز نقطة ضعفه في التفاعل مع محيطه، وبالأخص مع مشاعره المكبوتة بفعل ما يعانيه وجهه من علّة أو تشوُّه تجعله حاجزًا لا مجال لتجاوزه في تقبل الآخر (أيًّا يكن هذا الآخر) له، لكن الأهم والأخطر فكرة تقبُّل الحبيب، والذي كان محذوفًا من أفكار”يانال” باعتبار استحالة إيجاد هذا الحبيب تبعًا لواقع التشوَّه الذي يعانيه وجهه (ما دون عينيه الجميليتين) كما استحالة التخطيط لمستقبل طبيعي لحياته وسط الناس في المستقبل تبعًا لحالته. وكما لكل قاعدة شواذها شكَّلت “دهب”-ليليان نمري شواذ القاعدة فكانت الملجأ الوحيد لـ”يانال” وتحولت إلى رفيقة العمر التي تشكّل له الأم والشريكة والرفيقة (والملاذ وهذا الأهم)… رغم فارق السن بينهما.
إن استطالتي في هذا التفصيل من الرواية أردته للإضاءة عليه من باب وضع اليد على خصوصية العمل، التي تعطيه فرادته ولا تجعله تكرارًا لأعمال أخرى تتشابه في الخط العام، بل إبداعًا في تناول هذا الخط (السهل الممتنع) لابتكار عملٍ يحمل هذه “الفرادة والخصوصية” التي أشرت إليها، وهذا رأي أتحمل مسؤوليته دون أي حرج….
فالعمل لبناني في أدق تفاصيله، وهذا الرأي يعيدني إلى الكثير من شهاداتي السابقة بأن إقحام السينما في محليتها هي أقرب مسلك لها إلى العالمية، كما يسعدني بأنني لطالما كنت من الباحثين في أعمالنا عن مواضيع تغوص في مجتمعاتنا ولا تنقل لنا أفكارًا وصورًا معلَّبة من هذا المصدر أو ذاك، فجاء هذا العمل معطيًا لي بعض التفاؤل بانتظار إكمال المسار لفريق العمل، هذا الفريق الذي عشنا معه بالأمس حفل افتتاح وتقديم أمام الإعلام وبحضور وزير الثقافة اللبنانية الأستاذ محمد وسام مرتضى وحشد مجتمعي وفني وثقافي، حفل افتتاح كان لائقًا جدًا ومبشِّرًا بتزويدنا بهذا التفاؤل إنتاجيًّا، في زمن نحن بأمس الحاجة فيه إلى أفكار جديدة ضمن ساحة الإنتاج السينمائي اللبناني.
أنتقل إلى الشكل بعيدًا عن مضمون النص، وأبدأ مع “المشهدية” ومع الصورة عمومًا، ولن أطيل هنا بل أُنوّه بانسجامها الكبير مع واقع الحال، فليس من الممكن مع هكذا موضوع يغلب عليه الطابع الميلودرامي، والذي لطالما انزلق تبعًا لواقع “القصة”، إلى السوداوية، ليصل ببطله إلى الانتحار مع تقبلنا كجمهور للفكرة باعتبارها لم تكن المهرب بل الخلاص… هذه السوداوية رأيناها في كل مشاهد “يانال” وحيدًا، وما كان له أن يعيش في مشهدية مغايرة، إزاء ما يمر به خصوصًا كلما كان يعود إلى نفسه وإلى جروحه، والأهم أننا رأينا في هذا البطل “ممثلًا” جيدًا ومتقنًا لأدواته، كما هي حاله كمخرج وككاتب، باعتبار جاد أبو علي هو مايسترو العمل الذي نجح على صغر سنه، وعلى خبرته المتواضعة حسبما رأيت في قائمة تجاربه، نجح بتقديم نفسه كاتبًا ومخرجًا. وفي أدائه لشخصيتين (يانال وحسين) نجح كممثل شاب يجيد حمل عبء بطولة من هذا النوع، مع شريكته “تيا”- ريان حركة تدعمهما شريكة أخرى من المخضرمين (ليليان نمري) بدور “دهب” وهي البطلة الفعلية للعمل التي تمسك خطوط الرواية في مرحلتيها، من معاناة “يانال” إلى سقوطه ومن ثمَّ قيامته بشخصية جديدة عبر عينيه الزرقاوين اللتين أعادتاه إلى الحياة- الدنيا، بأبهى صورة إنسانية (هبة الأعضاء)…
وطالما نحن في مجال الكلام عن التمثيل، لا يمكن إلا القول أن الجهة الإنتاجية ممثلة بأمير فواز العائد إلينا من بوابة عالمية، نجح باستضافة عددٍ من المخضرمين في إطلالات مساندة جرى تطعيمها مع قلة قليلة من الشبان لإغناء العمل بمحيط إنساني (يكسر لنا وحدة يانال ومعاناته) ما حال بينه وبين تحويله إلى مجرد “شو فردي أو ثنائي أو حتى ثلاثي” لينحى بنا إلى العمل الجماعي وعمل الفريق وهذا ما تقتضيه الأصول الدرامية لهكذا عمل، تفاديًا لتجريد العمل وشخصياته الرئيسة من إنسانيتهم وبيئتهم، فكان أن ابتدع محيطًا مناسبًا من خصوصياتنا التي أسلفت ذكرها مثل “الوالد والطبيب وصاحب مولد الكهرباء” ممن كانوا نافذتنا إلى المحيط الاجتماعي للعمل، وفي الوقت عينه كان هؤلاء: (جان قسيس، نعمة بدوي وسعد حمدان) فاكهة هذه المشهدية من كبارنا وإلى جانبهم: عدنان عوض، جنى الحسن، باتريسيا ابراهيم ولينا دوغان.