حسن مرعي في “شتِّي يا بيروت”.
علامة فارقة وجرعة زائدة.
==============
كتب: مالك حلاوي.
==============
عندما تتابع عملًا دراميًّا محكم الصناعة من ألفه حتى يائه إلى حدود تحتار معها في الكتابة عن النص أو الإخراج أو الإنتاج أو التمثيل، تجد نفسك وأنت تحاول اقتناص الأكثر تميّزًا وسط ما هو مميَّز ضمن مسار اللعبة التي تتوالى أحداثها أمامك، وبمعنى أدّق تكون أمام اختبار استشراف بقعة الضوء الأقوى التي بإمكانك توجيه البوصلة نحوها لمن يريد بالفعل الوصول هذا الاستثنائي الأكثر ألقًا…
في مسلسل “شتي يا بيروت” كادت هذه التجربة أن تكون بمنتهى الصعوبة مع فريق عمل بغاية الاحتراف في شتَّى المجالات التي ذكرتها..
فشركة الإنتاج وعلى رأسها صادق الصبّاح حاصد الألقاب والجوائز في الآونة الأخيرة ما عاد بحاجة للمزيد من الشهادات.
الكاتب بلال شحادات أحد الموثوقين في أعمال هذه الشركة، حتى باتت نصوصه ماركة مسجَّلة وممهورة بطابع جيد جدًا كي لا نبالغ أكثر، وهذا لمسناه مع الكثير من الأعمال التي وضعت اسمه في قائمة الكتَّاب الكبار لهذه المرحلة الجديدة من الدراما العربية المشتركة، وبشكل خاص الخلطة اللبنانية- السورية التي أثبتت نجاعتها وتجاوزت كل الحدود.
وينضم إلى قافلة مبدعي الشركة المخرج إيلي سمعان القادم من عدة أعمال محليَّة لبنانية فكان أن لفت أنظار الصبَّاح لتعاون ظهر جليًّا اليوم أنه كان مثمرًا.
الممثلون وعلى رأسهم الكبير عابد فهد، يفاجئنا في كل عمل بإمكانياته العاليّة برسم الشخصيات التي يعمل عليها بطريقة تجنِّبه وتجنِّب جمهوره من التكرار والروتين وهو المعروف بكون يرفض أولًا في اختياراته الاستسهال معتمدًا على نجوميته.
لن أطيل لأدخل في صلب الموضوع وأصل إلى الاكتشاف الجديد الذي فاجأنا به صُنّاع “شتي يا بيروت”… إنه الطفل الممثل حسن مرعي وبدون منازع.
وبعيدًا عن تحليلات أطفال أو كبار “متلازمة داون” هنا، يأتي ما شاهدناه ونشاهده ونحن على أبواب منتصف الأحداث (الحلقة 15) في مسلسل “شتِّي يا بيروت” هو ممثل محترف أتقن عمله إلى حدودٍ لطالما ضاع في متاهاتها الكثير من المحترفين حتى الأكاديميين منهم، ألا وهي الأداء العفوي الخالص بعيدًا عن أي تصنُّع أو رهبة أو حتى تأثير للكاميرا أو الكاميرات والعاملين المحيطين به.
وبالرغم من وضوح حالة الانضباط غير العادي التي مارسها مرعي، بمعنى عدم الإفلات من أدق مسارات الشخصية بين لقطة وأخرى أو مشهد وآخر، وحتى وهذا الأهم، بين حلقة وأخرى، أبقى على خيوط الشخصية مترابطة ومتماسكة مع أدائه لهذا “الأيوب”أو الطفل الذي يتمتع بمتناقضات حالته الذهنية، مقدِّمًا لنا مزيج البساطة والذكاء في الوقت المناسب، أضف إلى ذلك التحكّم السلس بالعواطف الإنسانية وتجسيدها في مكانها حسب حالات الشخصية، وحسب الحدث الدرامي بين: الفرح والحزن، الرفض والقبول، الغضب والارتياح، والضحك والبكاء…
حسن مرعي أبدع فيما هو أبعد بكثير من كل هذه الحالات وهنا كانت أهم مقومات نجاحه الاستثنائي:
لقد قدَّم لنا حسن مرعي شخصية أيوب خفيفة الظل… مفعمة بالـ”هضامة” بالمعنى الشعبي… وهذه قد نجدها غالبًا في الأطفال عمومًا، وفي حالات مرعي خصوصًا، لكن معه كانت جرعة الهضامة زائدة إلى حد اختطف فيها القلوب بإبداعه، لا بالتعاطف مع حالته، وهنا تُكمن روعته وتفرّده.