الموقع المتقدِّم للدراما والموسيقى العربية

الهيبة-جبل نهاية أسطورة

 

حقَّقت للدراما العربية الكثير.

 

===============

كتب: مالك حلاوي.

===============

 

وانتهت أسطورة “الهيبة” بأجزائها الخمسة مع مسلسل “الهيبة -جبل” ليصحَّ القولُ إن ختامها جاء مسكًا بكل المقاييس، وبشهادة المتابعين والنقاد على السواء…

في هذا الجزء من “الهيبة” جرى البحث من قبل فريق عمل النص (تأليف وسيناريو وحوار: سامر نصرالله، طارق عبده، محمد الحمصي، يزن طربيه ووسيم قزق) عن حبكة استثنائية تليق بختام هذه الدراما، التي استطاعت جذب الجمهور العربي عمومًا من مشرقه ومغربه، فأجمع الفريق كما يبدو على استثمار هزيمة “داعش” في المحيط ضمن سياق الأحداث، أو كما ورد على لسان “جبل شيخ الجبل”-تيم حسن هي “دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام”، التي استطاعت من خلال اسمها هذا استقطاب مضلَّلين من كل أقطاب العالم، وهذه الهزيمة التي تكرَّست على الحدود اللبنانية السورية قبل أعوام، استطاع فريق الكتابة في “الهيبة-جبل”” بمن فيهم: سعيد سرحان وعصام أبو خالد (كمساهميَن في المعالجة الدراميَّة) توظيفها ضمن حبكة الجزء الخامس، لكن مع النأي بالعمل عن واقع الحال من حيث الزمان والمكان والأشخاص أو المؤسسات، مكتفين، كما هي حال الأجزاء السابقة، بالتنويه مع بداية كل حلقة بأن أحداث المسلسل هي بحت من وحي الخيال….

ومع “داعش” جرى إدخال تجارة الآثار، التي كانت بمثابة سرقة لتاريخ وحضارة البلاد، ومن هذه الزاوية جرت ملاحقة المهرِّبين، لتأكيد المؤكَّد وهو أن “داعش” نفسها تقف خلف هذه التجارة، وما المشاهد التي جرى تداولها لتحطيم “التماثيل” في العراق وسوريا من قبل كاميرا “دولة الخلافة”، إلا من باب التغطية على سرقة ما هو أهم وبيعها للخارج لتمويل “الدولة” المزعومة…

هذا في النص كسياق عام، وهو ما نجح بإعطاء ثقلٍ جديد لدراما “الهيبة”، وكان للمخرج سامر البرقاوي دوره الرئيس في جعل الأحداث أقرب إلى واقع الهيبة، وغير مُقحمة على ما سبق من تسلسلٍ روائي، ليأتي هذا التسلسل منطقيًّا من حيث النتيجة، في منطقة تعيش على التهريب كما هي حال كل المناطق الحدودية (وأيضًا حسب إشارة جبل)، ردًا على سؤال لضيفة الهيبة “سارة” إيميه صيَّاح: “وهل تهريب الآثار من ضمن طبيعة عملكم؟!” لتستفز جبل لبدء مرحلة البحث عن علاقة هذا الملف بما يجري في “الهيبة” و”سد المياه الجديد”، الذي بُنيَّ لأكثر من غاية، كان آخرها وآخر هم لمن قام ببنائه هو تزويد المنطقة بالمياه…

كاميرا المخرج وفريق التصوير نجحت في جعلنا نصدِّق وجود هذا السد الضخم ضمن أراضي سلطان شيخ الجبل في الهيبة، بما في ذلك النفق الممتد بين الدولتين الحدوديتين، كما جعلتنا هذه الكاميرا نصدّق وجود جحافل من “داعش” داخل “الهيبة” أضف إليها المعارك والتفجيرات التي حفلت بها الحلقة الأخيرة وجاءت في غاية الاتقان، بحيث لم يكن من الصعب ربطها بأحداث مماثلة على أرض الواقع، بما في ذلك أيضًا قضية الانتحاريين كسلاح أول وأقوى بيد “داعش”، حتى أن بعض مشاهد المعارك والتفجيرات كانت أقرب إلى “الآكشن” السينمائي دون أدنى مبالغة.

وإذا كان من غير المنصف التمييز بين فريق الممثلين في هذا العمل ومدى نجاحهم بأداء شخصياتهم، فهذا لا يمنعني من التنويه ببعض العلامات الفارقة، بما لا يعني بالضرورة التقليل من شان البقية…

وأبدأ مع الكبيرة منى واصف لأقول إن ميزتها غير الاعتيادية عن كل فريق العمل كان بما عملت عليه من تفاصيل دقيقة، جعلت منها في كل جزء صاحبة ابتكار وإنجاز جديد، رغم أننا أمام شخصية واحدة “الشاميَّة ناهد عمران- أم جبل شيخ الجبل”، حيث من الصعب على امتداد حوالي 150 حلقة، عدم الوقوع في الرتابة والتكرار، وهذا ما لم تقع فيه “هند آكلة الأكباد في فيلم الرسالة”، ما وضعها يومها على طريق العالميَّة، وها هي تكرِّس عالميتها وحرفيتها مع كل عمل جديد، وقد تجسَّد ذلك في “الهيبة-جبل” بلمسات كانت تضفيها على الشخصية، بضعفها وقوتها الممتزجتين والمتبدِّلتين حسبَ الأحداث، وحسب محطات الفرح والحزن أو التقدُّم والتراجع التي تتعرض لها بحكم كونها “الشركة القابضة” أو اليد الممسكة بإرث زوجها “سلطان شيخ الجبل” المادِّي والمعنوي. وأكتفي بالإشارة هنا بإشارتين في الحلقتين الأولى والأخيرة: خبر مقتل ابنها “صخر- أويس مخللاتي” واستنهاض الروح المعنويَّة لمن أسمته “جبلها” أو ابنها الذي أطلقت عليه هذا الاسم بنفسها “جبل”، وهنا استمتعنا بأحد حواراتها المميّزة، ليأتي أرقى مشاهدها على الإطلاق في الحلقة الأخيرة وبيدها القرآن الكريم وتلاوتها “آية الكرسي” بوجه الإرهابي “أبو وليد” بمنتهى الهدوء والسكينة التي تكفي وحدها كرسالة بين الإيمان الحقيقي وإدِّعائه، طبعًا دون أن ننسى العديد من حواراتها بما فيها من: الحنين، المرثيات، المواجهة، التحدي والغضب.. وكل ذلك على إيقاع عصاها التي لا تفارقها كضابطٍ مهم لهذا الإيقاع….

تيم حسن بدوره كان يعطي لكل جزء من أجزاء “الهيبة” جبله الخاص بالشكل والمضمون، دون أن يخرج عن النمط العام للشخصية، أي تطوير هذه الشخصية بما لا يوقعه في “النمطية” من خلال ابتداع مفردات جديدة لكل جزء منذ “ولا تهكلوه للهم”  و”منتهيّة” أو “يا تاريخ سجِّل” إلى “وديع سد النيع” وما شابه من مفردات مترافقة مع الأصبع المرفوع كأداة جزم وحسم… أما هنا في الحلقة الأخيرة فقد شاهدنا “جبل” القادر على أداء أصعب مشاهد “الآكشن”، طبعًا بإدارة إخراجية أعطته المزيد من القدرة على التألق.

وإلى “وديع” الوافد الجديد على أحداث “الهيبة” عبد المنعم عمايري الآتي بتاريخ طويل من النجاحات في الدراما السورية، والدراما المشتركة. ولم يكن صعبًا عليه هنا خوض هذه الشخصية التي بدأت بالسهل الممتنع، خصوصًا في المواجهات مع غريمه “جبل” لتدخل في أكثر من مسار، دون أن نُسقط وقوعه في غرام “حبيبة هذا الجبل”…

ولن أحمّل شخصية “وديع” هنا بُعد الشخصيَّة المركَّبة، وإن شعر البعض بذلك، بل تمثَّلت موهبته هنا في لعب شخصية “الراضخ للأمر الواقع” والمتحيّن لفرص المواجهة، وهذا ما تلمسناه في الحلقات الثلاث الأخيرة، من خلال مواجهاته مع جبل ولكن بشخصية أخرى هذه المرَّة، حيث الرد على كل التحدي السابق من قبل غريمه، بردٍ جاء بغاية الهدوء إنما هدوء القادر والمنتصر والذي يُملي الشروط (الحلقة 29) بمنتهى الثقة بالنفس وإمساك خطوط اللعبة، ليعود في الحلقة الأخيرة ويتلو فعل ندامته بمنتهى الإبداع، مستعرضًا كل مراحل شخصيته، حتى قصة حبه وسعيه لتأسيس أسرة.

إيميه صيّاح أو “سارة إبراهيم” القادمة إلى “الهيبة” متنكرة بشخصية ناشطة في العمل الإنساني، بينما هي في الحقيقة صحفيَّة استقصائية جاءت تبحث عن الآثار المهرَّبة، وعالِم الآثار المختفي (هانس)، وهي تفترض سلفًا أن هدفها سيكون “جبل” المتواطئ مع “داعش” ربما، والذي سرعان ما وقعت بحبه، لكن دون أن يصرفها ذلك عن متابعة مهمتها، والتي حَّولتها إلى أحد أهم عناصر قوة “جبل” بالرغم من سكينتها وهدوء شخصيتها، وهذا ربما السلاح الأقوى الذي حملته صيَّاح في جعبتها إلى الأداء الدرامي، وهي القادمة من عالم الإعلام، مع تجربة عابرة وسريعة في مجال التمثيل، لتقوم هنا بتكريس نفسها كممثلة ممسكة بزمام شخصيتها بقوة صدق هذه الشخصية، وبساطة الأداء بعيدًا عن التكلُّف والتصنُّع واستعراض العضلات.. فكانت وكأنها تؤدي شخصيتها الإعلامية بمنتهى الحرفيَّة، وهذا ما أعطاها المزيد من النجاح.

إلى عبده شاهين “شاهين شيخ الجبل”، وهو منذ الجزء الأول، والذي كاد وحسب سياق النص أن يكون الأخير له في “الهيبة”، لولا تدخُّل الجمهور وإعلانه أن “الهيبة” ستفقد الكثير مع فقدان “شاهينها” ومن هنا جاء الجزء الثاني “الهيبة-العودة” ليعيدنا إلى ثلاثين حلقة ما قبل مقتل شاهين، قبل أن ندخل في جزءٍ ثالث تأكَّد خلاله أن هذه الشخصية من أساسيات العمل (كما هي حال تيم حسن على سبيل المثال لا الحصر) ومن هنا أُعيد إحياء “شاهين” في الجزء الثالث “الهيبة-الحصاد”، والرابع “الهيبة-الرد”، إلى “الهيبة-جبل”… وعلى امتداد هذه الأجزاء ساعد النص عبده شاهين -الممثل في تحاشي النمطيَّة والتكرار، حيث كانت الأحداث والمواقف التي يمرُّ بها كفيلة بوضعه في إطار التنويع، إزاء تبديلات في المواقف بين مواجهات مع أقرب الناس له تارة، ممن كان الأكثر وفاءً لهم، ليعود إلى أحضانهم تارة أخرى وصولًا إلى نهايته المأساوية في هذا الجزء كبطل يليق بمحبة الجمهور له، حيث قام بالتكفير عن “انحرافه” غير المقصود للتعامل مع “داعش” دون دراية منه، فأجاد إطلاق صرخة المواجهة مع نفسه هذه المرَّة، قبل أن يغسل كل ذلك بإنقاذ أسرته ومن حوله بجسده في مواجهة مع “انغماسي داعشي”، وهنا نقطة يمكن تسجيلها للمخرج، حيث ارتقى بهذا المشهد محلِّقًا بفانتازيا المزج بين بطله والطائر الذي يحمل اسمه، ليسقطا معًا داخل قصر الهيبة وتمتزج الدماء مع الريش المتطاير كلوحة فنيَّة رائعة!

سعيد سرحان (علي شيخ الجبل) ممكن أن يكون هو الاكتشاف الأهم لمسلسل “الهيبة” بالرغم من كونه خريج قسم دراما وصاحب تجارب متعدِّدة، لكن هنا تكرَّس وجوده كأحد نجوم الدراما بحق (ولن أتكلم عن مساهمته الكتابية) بل عن لعب أدوارٍ متنوعة في دور “علي” من الحبيب النموذجي، إلى المنغمس في عمله ومهامه، فالعنيف والعاطفي والوفي والمتسلِّل والمداهم وكل ذلك بأداء متقن قلَّ نظيره.

محمد عقيل: بدور”الشايب” يمكن أن تكون هنا أيضًا فرصته التي لم يحصل عليها في الدراما، خصوصًا وهو المنخرط أكثر في المسرح، لكن حسب رأيي، فقد “أنصفه” مسلسل “الهيبة” وستكون له إطلالات مميزة اعتبارًا من هذا العمل.

روزينا لاذقاني (منى سلطان شيخ الجبل) على امتداد الهيبة بكامل أجزائها مع هند خضرا (ريما غازي شيخ الجبل) ثنائي لطيف كان غالبًا عنصرًا مرطبًا لجفاف شخصيات العمل الذكورية، وكان لكل منهما في هذا الجزء أو ذاك محطاتها الاستثنائية، إن على صعيد قصص الحب أو الارتباط الأُسري، أو في ساحة العمل النسائي المتقن داخل وخارج المنزل.

ناظم عيسى وليلى قمري (أبو علي وأم علي شيخ الجبل) شخصيتان جرت تأديتهما بحرفيَّة الكبار-المخضرمين، حيث نجحا وفي أكثر من محطة بإضفاء لمسة إنسانية داخل قصر سلطان، فيها من البساطة الممزوجة بالطرافة ما يكسر جفاف القصر في المواقف الصعبة.

وسيم قزق (إضافة لدوره في إعداد الممثلين) قام بتأدية شخصية “أبو الوليد الداعشي” الذي يتضح لاحقًا أنه مجرد “مرتزق” يقود عملية تهريب الآثار ويسعى إلى المال فقط، معلنًا في الحلقة الأخيرة اشتياقه لحلق “لحيته” والعودة إلى شخصيته الحقيقية، التي لا نعلم عنها شيئًا، وهذا ما ساعدنا في تصديق قيادته للمجموعة الداعشية، حيث لم يسقط في لعبة الإيحاء بكونه مجرد مرتزق إلا في اللحظة المناسبة.

إلى هذه القائمة نضيف: شربل عون: “فارس” وعبيدو باشا “مختار ضيعة تل أصفر” كوافدَين كانت لكل منهما لمسته الخاصة.

ومن حق البقية علينا التنويه بحضورهم وأداء الشخصيات الموكلة إليهم بعناية وهم:

عبير شرارة (إعلامية في أول ظهور لها كممثلة) بدور “الست ثريا”، بول سليمان، أسامة المصري، انطوان بلبان وأحمد رافع (أربعة من الكبار كضيوف شرف في الحلقات الأولى من العمل)، جورج دياب، بسام أبو دياب، طارق بشاشة، إيهاب شعبان، سعيد ملكي، جوزيف أسمر، محمد كمال، طوني فرح، جورج حران، أسعد حطاب، رياض عبد الحق، عدنان عوض، مالك محمد، عبدالله جبور، علي شقير، خليل صحناوي، مو لطوف، خليل الشيخ خليل، نادر عبد الحي, علي فرحات، كارلا سماحة، نخلة عضيمي، سمير ناصر، ستريدا بعينو، هادي فخر الدين، عبد الرحمن القادري، شادي قاسم، ماغي عبيد، علي الجاروش، حسين الدايخ، نتاشا بيضون، كريم شبلي، ريتا ابراهيم، فادي يوسف، سعيد جودة، يوسف حمزة، فراس فرارة، علاء الموصللي.

كل هذا الفريق ما كان ليحقِّق برأيي ما حققَّه لولا جديَّة الجهة المنتجة وتقديمها كل ما يلزم لعمل بهذا المستوى… “شركة سيدرز- الصبّاح للإنتاج الفني” حقَّقت للدراما العربية الكثير، حيث باتت بما لا يقبل الشك علامة لضخامة ونجاح الإنتاج العربي المشترك من مصر إلى المغرب العربي، مرورًا بسوريا ولبنان ودول الخليج.. ومن هنا جاءت الكلمة الختاميَّة للمنتج صادق الصبَّاح والذي شكر فيها كل العاملين بالمسلسل بكامل أجزائه لجهودهم التي وضعت “الهيبة” في طليعة المسلسلات لهذه الحقبة الصعبة من الإنتاج الدرامي.

Print Friendly, PDF & Email
Share