حكايات الأرز والغار اللبناني
في أيام الشارقة التراثية 18.
ضمن ركن لبنان، الذي يحل ضيفًا على “أيام الشارقة التراثية”، تتجسَّد معروضات من أزياء تراثية وقطع صابون ومنحوتات خشبيَّة وحُلي مشغولة يدويًّا بأناملَ لبنانيةٍ ماهرة، تنبعث منها رائحة شجر الأرز والزيتون والورد الجوري والقرفة، وعبق التاريخ الفينيقي القديم، وشموخ الجبال وتعدُّد ألوان الطبيعة…
وعلى مدخل الركن، تعود مصممة الأزياء اللبنانية فاطمة معتوق إلى العهد الفينيقي وهي تشرح باعتزاز ظاهر مسيرة تطور الزيّ اللبنانيّ الوطنيّ، وتقول في حديثها عن “الطنطور”، وهو غطاء للرأس مخروطي الشكل ويُعتبر من أهم قطع الأزياء التراثية:
- اعتاد العريس على أن يقدِّم لعروسه طنطورًا مزينًا بالحجارة الكريمة لتحتفظ به طوال حياتها ولا تتنازل عنه أو تقوم ببيعه مهما كانت الظروف.
وتبين فاطمة معتوق أن “الطنطور” كان يدل على المكانة الاجتماعية، فالأغنياء يصممونه من الذهب ويضيفون عليه الألماس والأحجار الكريمة غالية الثمن، أما الطبقة المتوسطة فتستخدم الفضة والأحجار الأقل ثمنًا، بينما يصنعه الفقراء من الخشب ويغطونه بالألوان الزاهية… وبالرغم من التباين في القيمة المادية للطنطور إلا أن رمزيته وقيمته المعنوية واحدة يتشارك فيها الجميع، فهو تعبير عن السمو والشموخ والاعتزاز بالانتماء للوطن.
أما عن الملابس الملوَّنة والمزركشة والمصنوعة بأنواع مختلفة من القماش والخيوط، فتقول معتوق:
- إن اللبناني استوحى تصاميمه تاريخيًّا من جمال الطبيعة وتعدد ألوانها، والملابس المعروضة في الركن يمثل كل منها منطقة من مناطق لبنان، فملابس الجبل تختلف عن ملابس السهول، وكذلك عن ملابس الساحل، فمصممو الأزياء قديمًا حرصوا على أن تتناسب الملابس مع طبيعة الحياة والأعمال في كل منطقة مع مراعاة ظروف المناخ والحرارة صيفًا وشتاءً.
وحول المشغولات اليدوية الأخرى، يؤكِّد الكيميائي اللبناني مأمون شقير، أن لبنان من أوائل الدول التي صنعت الصابون على مستوى العالم، وأن الفينيقيين نقلوا هذه الصناعة بسفنهم المصنوعة من أرز جبال لبنان وزيتونها إلى سواحل العالم وقدَّموها للشعوب والحضارات الأخرى.
ويقول، وهو يستعرض مكونات قطع الصابون المصفوفة على طاولة خشبية في مدخل الركن كأنها قطع ملونة من الحلوى:
- في بيروت مكان يعرف بخان الصابون، تأسَّس منذ آلاف السنين، وساعدت وفرة الزيتون في مناطق لبنان على ازدهار هذه الصناعة التي ما لبث السكان أن أدخلوا عليها مكوِّنات أخرى مثل: الغار والورد الجوري والكركم والعسل.. لإيمانهم بالفوائد الطبيَّة والجماليَّة الكبيرة لهذه المكونات.
ويستكمل مأمون شقير حديثه وهو يشرح أسباب ازدهار حِرف النحت على الخشب في لبنان، موضحًا أن السبب في ذلك يعود إلى جودة أخشاب الأرز والصنوبر والزيتون، ما يمنحها عمرًا وثباتًا في وجه تقلبات المناخ وتأثيرات الطبيعة الأخرى، ويدلِّل على كلامه بمنبر صلاح الدين الأيوبي في “مسجد الأزهر” المنحوت من أرز لبنان، والذي بقي خاليًّا حتى الآن من علامات التلف محتفظاً بجماليته وفخامته.