الموقع المتقدِّم للدراما والموسيقى العربية

من ريف دمشق وفي حضرة الشهداء

أنحني أسمو وأرتفع  بشهادات من لحمي ودمي

وأواجه بما هو أبعد من قلبي.

===================

كتب: مالك حلاوي

===================

لم تكن المناسبة بالنسبة لي مجرد احتفالية غنائية وطنية قومية وإنسانية وحسب، بل كانت المناسبة مناسبة “ذكرى حرب تشرين التحريرية السادسة والأربعين”، وربطًا مع تكريم شهداء سقطوا على أرضٍ خاضت حربًا كونية، وانتصرت فيها بدماء هؤلاء الشهداء، كانت مناسبة فرحٍ لي بأن هذه الشهادة أثمرت انتصارًا أعطى للشهادة معناها الحقيقي…

وأنا أشاهد أعلامًا ترفرف على امتداد قاعة “قصر المؤتمرات” في ريف دمشق وعلى خطواتٍ من مقام السيدة زينب، أحسست بها أعلامًا ترفرف على امتداد وطننا العربي ورأيتها خفَّاقة على امتداد الحدود اللبنانية، وحلَّقت معها جنوبًا لأشاهد أخي الحاج جعفر وأستعيد رسالتي له على “الواتس آب” مهنئًا ومباركًا الانتصار بعد لحظات من إعلان انتصار “القُصير” فرّد برسالته التي ما تزال محفورة في قلبي كما على هاتفه وهاتفي:

  • لقد أثمرت دماء الشهداء…

وانقطع الاتصال وغاب جعفر لألقاه بعد ساعات شهيدًا، أبى إلا أن تكون دماؤه من ثمرات هذا الانتصار….

سمعت كلمة سعادة محافظ ريف دمشق ونائب قائد القوات المسلحة، وحتى كلمة، لا بل قصيدة الشاعر نزار فرنسيس، وكلها التقت عند عبارة “الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر”.. ففرحت اكثر وأنا استذكر أن شيئًا ما يطالني في هذه العبارة التي تردَّدت على مسامعي مع عودة شقيقي الآخر اسماعيل شهيدًا من “تلة العيس”…  ومع الأخوين جعفر واسماعيل تلقيت تحية ابن أخي حسن علي حلاوي الذي عاد شهيدًا من “سهل الغاب- إدلب” وتذكرت صراخ الصديقة الدكتورة محسنة سرحان بوجهي وهي تقول يا أبناء نايف حلاوي ارحمونا اتركوا للآخرين بعضًا من شرف الشهادة، وهي التي جاءت تبارك بالشهادات الثلاث بعدما سبق لها أن باركت بشهادتين لا تقلان شأنًا: الشهيد أحمد (ابن اخي الشهيد اسماعيل) في تفجير الرويس على أيدي نفس الإرهابيين، والشهيد علي ابن أخي أحمد الذي كان على نفس الدرب، عندما سقط في حادث على طريق قريتنا كفركلا، التي لطالما كانت السبَّاقة في الشهادة منذ زمن الشهيد البطل أبو علي عبد الأمير حلاوي، الذي خاض مع العدو الإسرائيلي حربَ مواجهةٍ غير مسبوقة انتهت بشهادته….

اسمحوا لي أن أقول بأنني في حضرة أهالي الشهداء  في قصر المؤتمرات وبعدها في الصالة الكبرى خلال مأدبة الغذاء (ضمن منتجع إيبلا) وأنا أنحني لشهاداتهم أحسست أننا أسمو وأرتفع معكم كشريك ليس لأن الشهداء هم من أسرتي، بل لأنني وعن سابق تصور وتصميم وإصرار مع هذا النهج المقاوم لإسرائيل وبعدها المقاوم للإرهاب التكفيري…

اسمحوا لي أيها الشهداء أن أقول أنني كنت، وكلما أنحنيت أكثر، أسمو أكثر وأكثر وأرتفع معكم إلى حيث الكرم والنبل عنوان الشهادة، التي وإن لم أنلها بعد، فقد سعيت لها ولو من باب: ” من رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”… وأنا والحمدلله لم اكتفِ بمحاولة التغيير (للمنكر والباطل والإرهاب والتعدي) بقلبي، بل بما هو أبعد من قلبي ولساني وقلمي والله شاهد على ذلك.

شكرًا لمن رعى هذا التكريم، وكرَّمني بأن أكون حاضرًا فيه… شكرًا لكلٍ من خالد زبيدي ونادر قلعي اللذين لم يبخلا بشيء على أسر الشهداء… شكرًا للسيدة هالة خوري رزق، التي تعرّفت عليها وأحببتها منذ تكريم الموسيقار الكبير ملحم بركات، والتي كانت لها بصمتها في هذه المناسبة، بالرغم من أنها بالكاد أنهت أربعين زوجها وهو من قدامى الضباط المحاربين…
الصور الفوتوغرافية بعدسة: غياث حبوب

Print Friendly, PDF & Email
Share